( عجزت النساء أن يلدن مثل خالد ) عمر بن الخطاب رضى الله عنه
خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي ، أبو سليمان ، أحد أشراف قريش في الجاهلية
وكان إليه
القبّة وأعنّة الخيل ، أمّا القبة فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون به الجيش
وأما الأعنة فإنه كان يكون المقدّم على خيول قريش في الحربكان اسلامه في شهر صفر
سنة ثمان من الهجرة ، حيث قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( الحمد لله الذي هداك ، قد
كنت أرى لك عقلا لا يسلمك الا الى الخير )
قصة إسلامه
الرسالة
و تعود قصة اسلام خالد الى ما بعد معاهدة الحديبية حيث أسلم أخوهالوليد بن الوليد ، ودخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة في عمرة القضاءفسأل الوليد عن أخيه خالد ، فقال :( أين خالد ؟)فقال الوليد :( يأتي بهالله )فقال النبي :-صلى الله عليه وسلم- :( ما مثله يجهل الاسلام ، ولوكان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له ، ولقدمناه علىغيره )فخرج الوليد يبحث عن أخيه فلم يجده ، فترك له رسالة قال فيها :( بسمالله الرحمن الرحيم أما بعدفأني لم أرى أعجب من ذهاب رأيك عن الاسلاموعقلك عقلك ، ومثل الاسلام يجهله أحد ؟!وقد سألني عنك رسول الله، فقال أينخالد -- وذكر قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه -- ثم قال له : فاستدركيا أخي ما فاتك فيه ، فقد فاتتك مواطن صالحة ) وقد كان خالد -رضي اللـهعنه- يفكر في الاسلام ، فلما قرأ رسالة أخيـه سر بها سرورا كبيرا ، وأعجبهمقالة النبـي -صلى اللـه عليه وسلم-فيه ، فتشجع و أسلـم
الحلم
ورأى خالد في منامه كأنه في بلادٍ ضيّقة جديبة ، فخرج إلى بلد أخضرواسع ، فقال في نفسه :( إن هذه لرؤيا )فلمّا قدم المدينة ذكرها لأبي بكرالصديق فقال له :( هو مخرجُكَ الذي هداك الله للإسلام ، والضيقُ الذي كنتَفيه من الشرك )
الرحلة
يقول خالد عن رحلته من مكة الى المدينة :( وددت لو أجد من أصاحب ،فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذي أريد فأسرع الإجابة ، وخرجنا جميعافأدلجنا سحرا ، فلما كنا بالسهل إذا عمرو بن العاص ، فقال :( مرحبا بالقوم)قلنا :( وبك )قال :( أين مسيركم ؟)فأخبرناه ، وأخبرنا أيضا أنه يريدالنبي ليسلم ، فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان )
قدوم المدينة
فلما رآهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه :( رمتكم مكةبأفلاذ كبدها )يقول خالد :( ولما اطلعت على رسول الله -صلى الله عليهوسلم- سلمت عليه بالنبوة فرد على السلام بوجه طلق ، فأسلمت وشهدت شهادةالحق ، وحينها قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :(الحمد لله الذي هداك قدكنت أرى لك عقلا لا يسلمك الا الى الخير)وبايعت الرسـول وقلت :( استغفر ليكل ما أوضعـت فيه من صد عن سبيل اللـه )فقال :( إن الإسلام يجـب ما كانقبله )فقلت :( يا رسول الله على ذلك )فقال :( اللهم اغفر لخالد بن الوليدكل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك )وتقدم عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة ،فأسلما وبايعا رسول الله )
والدته
كان خالد بن الوليد ميمونَ النقيبـة ، وأمّه عصماء ، وهي لبابة بنتالحارث أخـت أم الفضـل بنت الحارث ، أم بني العباس بن عبد المطلب ، وخالتهميمونة بنت الحارث زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
غزوة مؤتة
كانت غزوة مؤتة أول غزوة شارك فيها خالد ، وقد قتل قادتها الثلاثة :زيد بن حارثة ، ثم جعفر بن أبي طالب ، ثم عبدالله بن رواحة -رضي اللهعنهم- ، فسارع الى الراية ( ثابت بن أقرم ) فحملها عاليا وتوجه مسرعا الىخالد قائلا له :( خذ اللواء يا أبا سليمان ) فلم يجد خالد أن من حقه أخذهافاعتذر قائلا :( لا ، لا آخذ اللواء أنت أحق به ، لك سن وقد شهدت بدرا)فأجابه ثابت :( خذه فأنت أدرى بالقتال مني ، ووالله ما أخذته إلا لك )ثمنادى بالمسلمين :( أترضون إمرة خالد ؟) قالوا :( نعم )فأخذ الراية خالدوأنقذ جيش المسلمين ، يقول خالد :( قد انقطع في يدي يومَ مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة لي يمانية )
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أخبر الصحابة بتلك الغزوة :(أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب ، ثم أخذ الراية ابنرواحة فأصيب ،وعيناه -صلى الله عليه وسلم- تذرفان، حتى أخذ الراية سيف منسيوف الله ، حتى فتح الله عليهم )فسمي خالد من ذلك اليوم سيف الله
هدم العُزّى
بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى العُزّى يهدِمُها ، فخرج خالد فيثلاثين فارساً من أصحابه حتى انتهى إليها فهدمها ، ثم رجع إلى النبي -صلىالله عليه وسلم- فقال :( هُدِمَتْ ؟)قال :( نعم يا رسول الله )فقال رسولالله -صلى الله عليه وسلم- :( هل رأيت شيئاً ؟)فقال :( لا )فقال :( فإنكلم تهدِمْها ، فأرجِعْ إليها فاهدمها )فرجع خالد وهو متغيّظ ، فلما انتهىإليها جرّد سيفه ، فخرجت إليه إمرأة سوداء عُريانة ، ناشرة الرأس ، فجعلالسادِنُ يصيح بها ، قال خالد :( وأخذني اقشِعْرارٌ في ظهري )فجعل يصيح :(
أعُزَّيَّ شـدِّي شدّةً لا تكذّبـي**** أعُزّيَّ فالْقي للقناع وشَمِّـري
أعُزَّي إن لم تقتلي اليومَ خالداً**** فبوئي بذنبٍ عاجلٍ فتنصّري
وأقبل خالد بالسيف إليها وهو يقول :(
يا عُزَّ كُفرانَكِ لا سُبحانَكِإنّي وجدتُ اللهَ قد أهانَكِ
فضربها بالسيف فجزلها باثنتين ، ثم رجع الى رسـول الله -صلى الله عليهوسلم- فأخبره فقال :( نعم ! تلك العُزّى قد أيِسَتْ أن تُعبدَ ببلادكمأبداً )ثم قال خالد :( أيْ رسول الله ، الحمدُ لله الذي أكرمنا بك ،وأنقذنا من الهَلَكة ، ولقد كنت أرى أبي يأتي إلى العُزّى نحيرُهُ ، مئةمن الإبل والغنم ، فيذبحها للعُزّى ، ويقيم عندها ثلاثاً ثم ينصرف إلينامسروراً ، فنظرتُ إلى ما مات عليه أبي ، وذلك الرأي الذي كان يُعاش فيفضله ، كيف خُدع حتى صار يذبح لحجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع؟!)فقال رسول الله :( إنّ هذا الأمرَ إلى الله ، فمَنْ يسَّرَهُ للهّدىتيسر ، ومَنْ يُسِّرَ للضلالة كان فيها )
حروب الردة
وشارك في فتح مكة وفي حروب الردة ، فقد مضى فأوقع بأهل الردة من بنيتميم وغيرهم بالبُطاح ، وقتل مالك بن نويرة ، ثم أوقع بأهل بُزاخَة - وهيالمعركة التي كانت بين خالد وطليحة بن خويلد- ، وحرقهم بالنار ، وذلك أنهبلغه عنهم مقالة سيئة ، شتموا النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وثبتوا علىردّتهم ، ثم مضى الى اليمامة ووضع حداً لمسيلمة الكذاب وأعوانه من بنيحنيفة
بلاد الفرس
وفي فتح بلاد الفرس استهل خالد عمله بارسال كتب إلى جميع ولاة كسرىونوابه على ألوية العراق ومدائنه :( بسم الله الرحمن الرحيم ، من خالد بنالوليد الى مرازبة فارس ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فالحمدللهالذي فض خدمكم ، وسلب ملككم ، ووهّن كيدكم ، من صلى صلاتنا ، واستقبلقبلتنا ، وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم ، له ما لنا وعليه ما علينا ، إذاجاءكم كتابي فابعثوا إلي بالرّهُن واعتقدوا مني الذمة ، وإلا فوالذي لاإله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة !!)وعندما جاءتهأخبار الفرس بأنهم يعدون جيوشهم لمواجهته لم ينتظر ، وإنما سارع ليقابلهمفي كل مكان محققا للإسلام النصر تلو الآخولم ينس أن يوصي جنوده قبل الزحف:( لاتتعرضوا للفلاحين بسوء ، دعوهم في شغلهم آمنين ، إلا أن يخرج بعضهملقتالكم ، فآنئذ قاتلوا المقاتلين )
معركة اليرموك وبطولاتها
إمرة الجيش
أولى أبوبكر الصديق إمرة جيش المسلمين لخالد بن الوليد ليواجهوا جيشالروم الذي بلغ مائتي ألف مقاتل وأربعين ألفا ، فوقف خالد بجيش المسلمينخاطباً :( إن هذا يوم من أيام الله ، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي ،أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم ، وتعالوا نتعاور الإمارة ، فيكونأحدنا اليوم أميراً والآخر غداً ، والآخر بعد غد ، حتى يتأمر كلكم )
تأمين الجيش
وقبل أن يخوض خالد القتال ، كان يشغل باله احتمال أن يهرب بعض أفرادجيشه بالذات من هم حديثي عهد بالإسلام ، من أجل هذا ولأول مرة دعا نساءالمسلمين وسلمهن السيوف ، وأمرهن بالوقوف خلف صفوف المسلمين وقال لهن :(من يولي هاربا ، فاقتلنه )
خالد و ماهان الروماني
وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز إليه خالد ، وبرز إليه خالد، في الفراغ الفاصل بين الجيشين ، وقال (ماهان) قائد الروم :( قد علمناأنه لم يخرجكم من بلادكم إلا الجهد والجوع فإن شئتم أعطيت كل واحد منكمعشرة دنانير وكسوة وطعاما ، وترجعون إلى بلادكم ، وفي العام القادم أبعثإليكم بمثلها !)وأدرك خالد ما في كلمات الرومي من سوء الأدب ورد قائلا :(إنه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت ، ولكننا قوم نشرب الدماء ، وقدعلمنا أنه لا دم أشهى ولا أطيب من دم الروم ، فجئنا لذلك !)وعاد بجوادهالى صفوف الجيش ورفع اللواء عاليا مؤذنا بالقتال :( الله أكبر ، هبي رياحالجنة )
من البطولات
ودار قتال قوي ، وبدا للروم من المسلمين مالم يكونوا يحتسبون ، ورسمالمسلمون صورا تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهمفهاهو خالد غلى رأس مائةمن جنده ينقضون على أربعين ألف من الروم ، يصيح بهم :( والذي نفسي بيده مابقي من الروم من الصبر والجلد إلا ما رأيتم ، وإني لأرجو أن يمنحكم اللهأكتافهم )وبالفعل انتصر المائة على الأربعين ألف
خالد وجرجه الروماني
وقد انبهر القادة الروم من عبقرية خالد في القتال ، مما حمل (جرجه)أحد قادتهم للحديث مع خالد ، حيث قال له :( يا خالد اصدقني ، ولا تكذبنيفإن الحر لا يكذب ، هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاك إياه ،فلا تسله على أحد إلا هزمته ؟)قال خالد :( لا)قال الرجل :( فبم سميت سيفالله ؟) قال خالد :( إن الله بعث فينا رسوله ، فمنا من صدقه ومنا من كذب ،وكنت فيمن كذب حتى أخذ الله قلوبنا إلى الإسلام ، وهدانا برسوله فبايعناه، فدعا لي الرسول ، وقال لي :( أنت سيف من سيوف الله ) فهكذا سميت سيفالله )قال القائد الروماني :( وإلام تدعون ؟ ) قال خالد :( إلى توحيد اللهوإلى الإسلام )قال :( هل لمن يدخل في الإسلام اليوم مثل مالكم من المثوبةوالأجر ؟) قال خالد :( نعم وأفضل )قال الرجل :( كيف وقد سبقتموه ؟)قالخالد :( لقد عشنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورأينا آياتهومعجزاته وحق لمن رأى ما رأينا ، وسمع ما سمعنا أن يسلم في يسر ، أما أنتميا من لم تروه ولم تسمعوه ثم آمنتم بالغيب ، فإن أجركم أجزل وأكبر إذاصدقتم الله سرائركم ونواياكم )وصاح القائد الروماني وقد دفع جواده إلىناحية خالد ووقف بجواره :( علمني الإسلام يا خالد !)وأسلم وصلى لله ركعتينلم يصل سواهما ، وقاتل جرجه الروماني في صفوف المسلمين مستميتا في طلبالشهادة حتى نالها وظفر بها
وفاة أبوبكر
في أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيهاالامبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- ، وتولىالخلافة بعده عمر -رضي الله عنه- ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبيعبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالدوصل الخطاب الى أبىعبيدة فأخفاهحتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر فلم يغضب خالد -رضي الله عنه-،بل تنازل في رضى وسرور ، لأنه كان يقاتل لله وحده لايبغي من وراء جهاده أيأمر من أمور الدنيا
قلنسوته
سقطت منه قلنسوته يوم اليرموك ، فأضنى نفسه والناس في البحث عنها فلماعوتب في ذلك قال :( إن فيها بعضا من شعر ناصية رسول الله وإني أتفائل بهاوأستنصر )ففي حجة الوداع ولمّا حلق الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأسه أعطىخالداً ناصيته ، فكانت في مقدم قلنسوته ، فكان لا يلقى أحداً إلا هزمهالله تعالى
فضله
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( نِعْمَ عبد الله خالد بن الوليد ، سيْفٌ من سيوف الله )
قال خالد -رضي الله عنه-:( ما ليلة يهدي إليّ فيها عروسٌ أنا لها محب، أو أبشّرُ فيها بغلامٍ أحبَّ إلي من ليلة شديدة الجليد في سريّةٍ منالمهاجرين أصبِّحُ بها العدو )
وأمَّ خالد الناس بالحيرة ، فقرأ من سُوَرٍ شتى ، ثم التفت إلى الناس حين انصرف فقال :( شغلني عن تعلّم القرآن الجهادُ )
نزل خالد بن الوليد الحيرة على أمير بني المرازبة فقالوا له :( احذَرِالسُّمَّ لا يسقيكهُ الأعاجم )فقال :( إئتوني به )فأتِيَ به فأخذه بيده ثماقتحمه وقال :( بسم الله )فلم يُضرَّه شيئاً
وأخبِرَ خالد -رضي اللـه عنه- أنّ في عسكره من يشرب الخمر ، فركبفرسـه ، فإذا رجل على مَنْسَـجِ فرسِـهِ زِقّ فيه خمر ، فقال له خالد :(ما هذا ؟) قال :( خل )قال :( اللهم اجعله خلاّ )فلمّا رجع الى أصحابه قال:( قد جئتكم بخمر لم يشرب العربُ مثلها ) ففتحوها فإذا هي خلّ قال :( هذهوالله دعوة خالد بن الوليد )
وفاة خالد
استقر خالد في حمص -من بلاد الشام- فلما جاءه الموت ، وشعر بدنو أجله، قال :( لقد شهدت مائة معركة أو زهاءها ، وما في جسدي شبر الا وفيه ضربةبسيف أو رمية بسهم ، أو طعنة برمح ، وهأنذا أموت على فراشي كما يموتالبعير ، ألا فلا نامت أعين الجبناء ) وكانت وفاته سنة احدى وعشرين منالهجرة النبوية مات من قال عنه الصحابة :( الرجل الذي لا ينام ، ولا يتركأحدا ينام ) وأوصى بتركته لعمر بن الخطاب والتي كانت مكونة من فرسه وسلاحهوودعته أمه قائلة :
أنت خير من ألف ألف من القوم *** إذا ما كبت وجوه الرجال
أشجاع ؟ فأنت أشجع من ليث *** غضنفر يذود عن أشبال
أجواد ؟ فأنت أجود من سيل *** غامر يسيل بين الجبال