انتصار المقاطعه فى الاردن الشقيق

الأردن.. البضائع التركية تطرد الأمريكية


أخذ مالك مطعم بيتزا (كعادته كل صباح أن يفتح الجريدة فوق إحدى طاولات المطعم) يقلب صفحاتها واحدة تلو الأخرى، غير أنه لم يجد ما يستوقف انتباهه سوى خبر صحفي موجه من قبل القائمين في مجمع النقابات المهنية يدعو المواطنين إلى مقاطعة المنتجات الصهيونية والأمريكية والأوروبية، واستبدالها بالمنتجات المحلية والعربية والتركية على وجه الخصوص.
مالك المطعم البالغ من العمر 27 عامًا بدأ يميل بشفتيه يمنة ويسرة "إشفاقا" – وفق ما ذكره لاحقاً لـ "إسلام أون لاين.نت" على مطلقي هذه الدعوات.
هو يرى أنه من "الاستحالة" إيجاد منتجات عربية أو غير غربية تنافس الأمريكية والأوروبية، وبخاصة تلك التي تعد مكونات بضاعته "البيتزا".. كالجبنة من نوع "بوك الدينماركية" والكاتشب من نوع "هيرمن" أمريكي الصنع.
وثقة مالك المطعم بالمنتج الأوروبي تعود –وفق ما قاله- إلى محاولاته العديدة لاستبدال المنتجات الأمريكية والأوروبية بأخرى عربية مثل الأردنية، وغيرها من المنتجات العربية.
يقول: "لقد أُصبت حينها بخيبة أمل" وهي الخيبة التي ستكون "مآل كل الباحثين عن منتج غير أوروبي أو أمريكي".
ذرائع غير مقنعة
ولكن الناشط النقابي المهندس ميسرة ملص وصف كل ما تحدث به مالك مطعم البيتزا بـ "الذرائع غير المقنعة".
وقال: "إننا نسمع دائماً مثل تلك الذرائع يبثها بعض الباعة نتيجة عدم رغبتهم في مقاطعة المنتجات الصهيونية والأمريكية والأوروبية".
ويرى ملص أن بحث المواطنين عن بدائل لتلك المنتجات المُقاطعة هي "مسئوليتهم" كونهم معنيين بالمشاركة في نشر ثقافة المقاومة تجاه البضائع المرتبطة بسياسة العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية.
وتساءل: "من قال إنه لا يمكن الاستغناء عن البيتزا.. أعتقد أننا لن نموت إذا أقلعنا عنها".
مالك محل البيتزا يرد بدوره بأنه عربي ويتأثر بالقضايا العربية والعالمية، التي تمس المصالح العربية، لكنه قال: إن رزقه يرغمه على الاستمرار في التعامل مع المنتجات الأوروبية ذات الجودة العالية مقارنة بالمحلية الصنع أو العربية.
ويرفض القول بضرورة البحث عن بدائل مناسبة له ولغيره من التجار تحمل أسعار مناسبة وجودة عالية مماثلة للأوروبية والأمريكية والصهيونية، وقال: "هذه ليست مسئوليتي.. فليبحث لنا دعاة المقاطعة عن هذه البدائل".
تجربة عملية
محاولة مالك مطعم البيتزا التنصل من المسئولية، تصطدم باتجاه قوي للمقاطعة تقوده النقابات المهنية، حتى أنه وجد على إحدى طاولات مطعمه يوماً قائمة بأسماء البضائع المُقاطعة التي توزعها النقابات المهنية، ومنها كما قال: "منظف الغسيل إيريَل وحفاظات بامبرز ومنتجات شركة نستلة ومشروبات بيبسي ومطاعم ماكدونالز وبرجر كنغ وشكولاتة سنكرز ومارس وتوكس وستار بيكس كافية إضافة إلى بعض الخضار والفواكه الصهيونية".
"كيف يمكن أن نقاطع كل ذلك" سأل نفسه، ولكن نائب مدير عام أحد المجمعات التجارية يجيب عن سؤاله هذا بالقول: "إن 5% فقط من مجموع البضائع الموجودة في المول هي من البضائع الأوروبية والأمريكية".
وأضاف نائب المدير العام الذي رفض الكشف عن هويته خشية أن تتضرر مصالحه: "بمجرد وجود صنف معين من المنتجات يحمل بطاقة تعريفة أوروبية، يباشر هو بنفسه بالبحث عن بديل له يتمتع بجودة عالية وأسعار مناسبة سواءً محلية أو عربية أو تركية".
ومن أجل أن ينبه المستهلك بأن بضائعه تركية فإنه تبرع بوضع بعض الأعلام الصغيرة على الرفوف، لحث المواطن على شرائها دون غيرها من البضائع الأخرى، وفق قوله.
ويشير إلى أن إجراءه هذا أتى بنتائج جيدة، فقد بدأ المواطنون يميلون إلى شراء المنتوجات التركية كبديل عن المنتوجات الأوروبية والأمريكية، إلا أنه في المقابل يؤكد ضرورة استيعاب هذا الجهد في إطار مؤسسي شامل حتى يصبح طابع استهلاكي.
ويستشهد بموقف استبداله الأجبان والمعلبات والشامبوهات والشكولاتات بأنواعها المختلفة المحلية أو العربية الصنع بالأمريكية والأوروبية.
وأشار إلى أنه قام بتعزيز تواجد المنتجات التركية في المول مثل البقوليات بشتى أنواعها، ومنظفات الغسيل مثل الكمفورت التركي والبسكويت والشكولاتة والكاندي التركي بجودته العالية، وذلك خلال الفترة الأخيرة التي تزامنت مع العدوان على غزة.
لماذا المنتج التركي
ويجيب رئيس مجلس النقباء ونقيب المهندسين الزراعيين عبد الهادي الفلاحات عن سؤال لماذا المنتج التركي بالقول: "إنه من باب التقدير للمواقف التركية السياسية تجاه قطاع غزة جراء العدوان الصهيوني، جاءت فكرة مقاطعة المنتجات الأمريكية والصهيونية بشكل خاص والأوروبية عموما والاستعاضة عنها بالمنتجات التركية".
مثل هذه الفكرة "احتواها" نائب المدير العام و"استثناها" مالك مطعم البيتزا لكون الأخير –وفق الفلاحات– غير مطلع على قاعدة معلومات تبين له ماهية المنتجات التركية أو المحلية الصنع التي يمكن استخدامها كبديل.
واعتبر الفلاحات أن من أكبر التحديات التي تواجه فكرة المقاطعة غياب قاعدة المعلومات والفوائد الجمة التي يمكن أن يجنيها الفرد من جهة والمجتمع من جهة أخرى اقتصاديًّا وسياسيًّا جراء المقاطعة.
معرض تركي
ويبدو أن الفلاحات أدرك "مشكلة" مالك محل البيتزا لذلك أشار إلى أن مجمع النقابات المهنية يسعى إلى إقامة "معرض تركي" قريبًا في المجمع، بهدف الترويج للبضائع والمنتجات التركية.
ويتابع أن المعرض سيشكل حلقة وصل ما بين التجار والمستوردين الأردنيين والملحق التجاري التركي، كنوع من توطيد العلاقة التجارية بينهما.
وربما كانت هذه فرصة للمجمع التجاري سابق الذكر لخفض نسبة حتى الـ 5% من بقايا البضائع الأمريكية في مخزنه التي وجدت بفعل "اتفاقيات تجارية" كنوع من أنواع تبادل المصالح المشتركة بينهما.
ولعل ذلك يتيح للتجار استبدال المواد الخام لتجاراتهم مثل "البيتزا" التي لم تخلُ من الأدوات الصينية والألمانية والايطالية.
ولمثل هذه الفكرة يأمل مدير محل كافيه إيجاد "طوق نجاة" للراغبين في المقاطعة بالتعامل مع المنتجات التركية التي تستهدف محله.
آخر الحراك المتصل بالمقاطعة –وفق صاحب الكافيه- ذلك الذي قام به "150" طالب في إحدى المدارس الخاصة عندما امتنعوا طوعاً عن شراء المشروبات الغازية عندما كانوا بصحبة معلمهم في الكافيه واستبدلوا هذه المشروبات بأي نوع من العصائر محلية الصنع.
يقول صاحب الكافيه: إن هذا المشهد "أثر" فيه بشكل عميق، وبخاصة عندما أخذ أحد الأطفال بتوزيع ما اصطحبوه من منشورات تدعو إلى مقاطعة المنتجات الأوروبية والأمريكية والصهيونية، وقام هو بنفسه بتمريرها على كافة محلات المول ومنها مطعم البيتزا سابق الذكر.

أعلى الصفحة
المصدر : اسلام اون لاين .