خوان ونصرة فلسطين.. الوسائل العملية
[20:26مكة المكرمة ] [20/12/2008]
الإمام الشهيد حسن البنا
بقلم: عبده مصطفى دسوقي
لقد عمل الإخوان منذ نشأة جماعتهم على حل قضية فلسطين حلاًّ يتفق مع وجهة النظر الإسلامية، ويؤدي إلى سلامة هذا الجزء من الوطن العربي- وهو منه بمثابة القلب من الجسد- وإلى المحافظة كل المحافظة على أن يظل إسلاميًّا خالصًا، وإلى دفع العدوان اليهودي وذبِّ السياسة الدولية عنه بكل الوسائل؛ فإن العرب يدركون مدى الأخطار العربية التي تهدِّد كيان الأمة العربية وتحطِّم آمالها إذا استقرَّت قدم اليهود في فلسطين، والإخوان قد وطدوا العزم على أن إنقاذ فلسطين مهما كلَّفهم ذلك من الجهود والتضحيات.
قضية فلسطين من القضايا المهمة بالنسبة للأمة الإسلامية؛ لأنها جزءٌ من أرض المسلمين، ولقد بدأ اليهود ينظِّمون حملاتهم إليها بعدما وقع الاختيار عليها لتكون وطنًا قوميًّا لليهود بعد مؤتمر بال بسويسرا عام 1897م، ومن ثم جَدَّ اليهود بكل الوسائل في تحقيق هذا الهدف.
فبعد ظهور أفكار معاداة السامية في أوروبا عام 1896م قام "تيودور هرتزل" باقتراح حلٍّ للمشكلة في كتابه "دولة اليهود"؛ حيث اقترح تأسيس وطن قومي لليهود في الأرجنتين أو فلسطين، وفي عام 1897م عُقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في سويسرا؛ حيث أصدر برنامج بال لاستعمار فلسطين، وتأسيس الحركة الصهيونية العالمية، وفي عام 1902م اقترح هرتزل على السلطان إنشاء جامعة يهودية في القدس، فرفض ذلك، فأرسل إليه هرتزل رسالةً يعرض عليه فيها قرضًا من يهود يبلغ 20 مليون جنيه إسترليني، مقابل تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنح اليهود قطعة أرض يُقيمون عليها حكمًا ذاتيًّا، ورفض السلطان عبد الحميد ذلك بشدة.
وبعد انتصار القوات البريطانية على الدولة العثمانية اتفقت فرنسا وبريطانيا على تقسيم المنطقة العربية إلى مناطق سيطرة فيما عرف عام 1916م باتفاقية "سايكس بيكو"، فوضعت لبنان وسوريا تحت السيطرة الفرنسية، والأردن والعراق ومصر تحت سيطرة بريطانيا، على أن تبقى فلسطين دوليةً، إلا أن بريطانيا احتلت فلسطين في أكتوبر 1917م، وأعطى بلفور اليهود وعدَه بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين في 2/11/1917م، وكان عدد اليهود في ذلك الحين لم يتجاوز 56 ألفًا مقابل 644 ألف فلسطيني، أي بنسبة 8% إلى 92%، ولم تتعدَّ نسبة الأراضي التي يملكها اليهود 2% من أرض فلسطين.
وصدَّقت عصبة الأمم على مشروع الانتداب البريطاني على فلسطين بتاريخ 27/7/1922م، ووُضع موضع التنفيذ في 29/9/1922م؛ مما أدى إلى ثورات واضطرابات في فلسطين.
وفي عام 1936م قام الفلسطينيون بإضراب عام وشامل لمدة ستة أشهر؛ نظَّمته اللجنة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني؛ احتجاجًا على مصادرة الأراضي والهجرة اليهودية، وانتهى بتدخل ملوك العرب لحل القضية، فأرسلت بريطانيا لجنة بقيادة اللورد روبرت لدراسة الوضع وتقديم الحلول، فرفعت تقريرها الذي أكد استحالة قيام كيان مشترك لليهود والعرب، واقترحت تقسيم فلسطين إلى دولتين؛ إحداهما عربية والأخرى يهودية، وتوضع الأماكن المقدسة تحت إدارة دولية، وكانت هذه المرة هي الأولى التي يُقتَرح فيها التقسيم.
وفي 13 من سبتمبر 1937م عرض وزير خارجية بريطانيا "إيدن" سياسة دولية إزاء مشروع التقسيم أمام عصبة الأمم، واقترح إرسال لجنة فنية لوضع خطة مفصَّلة للتقسيم، وإزاء رفض العرب واليهود تقرَّر تأجيل تنفيذ مشروع التقسيم.
بداية جهود الإخوان
بعد أن خيَّبت بريطانيا آمال العرب في استقلالهم ووعدت اليهود بتهيئة الظروف أمام زرع الكيان الصهيوني في فلسطين، علم عرب فلسطين أنهم لن يحصلوا على حقوقهم أو بعضها إلا بالقوة؛ فقاموا بعدة ثورات دامية ومعارك عنيفة مع قوات الاحتلال، فاستخدم الإنجليز ضدها أفظع الوسائل لقمعها والتنكيل بمن يؤججون نارها.
وأمام هذه الأساليب الوحشية من البريطانيين أصدر الإخوان كتابًا يصف الحالة من خلال الوقائع، وهو كتاب "النار والدمار في فلسطين الشهيدة"؛ حيث تحدث الكتاب عن خمسة أساليب يستعملها الإنجليز بوحشية في فلسطين، وهي:
1- تعذيب الأحياء.
2- التمثيل بالأموات.
3- انتهاك الأعراض.
4- انتهاك الحرمات الدينية.
5- النسف والتدمير.
وقد أفاض الكتاب في وصف ما يجري في هذه الأساليب، وضرب الأمثلة العديدة بالأسماء والتواريخ تحت كل أسلوب.
لقد رفض الإمام البنا المحاولات التي طُرحت "للتفاوض" أو "للتقسيم"؛ بدءًا من عام 1936- 1937م حتى عام 1947- 1948م، وكان من أول أسباب الرفض أن كل المحاولات تضمَّنت دعوة اليهود وعصاباتهم كطرفٍ في القضية؛ فلقد انطلق الإخوان المسلمون في تعاملهم مع القضية الفلسطينية من حقيقة أساسية؛ جوهرها أن أرض فلسطين هي أرض إسلامية، وقفٌ على المسلمين جميعًا حتى تقوم الساعة؛ يحرم التنازل عن شبر واحد من ثراها مهما كانت الضغوط؛ فهي بالتالي أمانةٌ في أعناق أجيال المسلمين، جيلاً بعد جيل حتى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها، وإن قضية فلسطين هي قضية العالم الإسلامي بأسره، وهي ميزان كرامته ومقياس هيبته وقوته، كما حدد ذلك الإمام البنا رحمه الله، وأقرَّ بذلك جميع الجماعات والهيئات والمؤسسات الإسلامية منذ بدء هذا الصراع.
بدأ اهتمام الإمام حسن البنا بقضية فلسطين بصورة شخصية مبكرًا ومنذ أن كان طالبًا؛ ففي مطلع العشرينيات- وهو لم يزل شابًّا صغيرًا في كلية دار العلوم- نشر في مجلة الفتح التي كان يُصدرها الشيخ محب الدين الخطيب مقالاً ينبِّه فيه على الخطر الصهيوني على فلسطين، وفي السنة التي تخرَّج فيها في كلية دار العلوم بالقاهرة- وكان عمره لا يتجاوز 21 سنة- وقبل عام من تأسيس جماعة الإخوان المسلمين أرسل رسالةً إلى مفتي القدس الحاج أمين الحسيني؛ يبدي فيها رغبته في مساندته ودعم الجهاد، ولم يَكْتَفِ بالكتابة والتنبيه فحسب، بل مع استمراره على ذلك بدأ ينسِّق ويتعاون مع المجاهدين، وذكر هذا كله الحاج أمين الحسيني في رثائه للبنا بعد استشهاده قائلاً: "لقد عرفته للمرة الأولى يوم أن أرسل لي برسالة رقيقة؛ يبدي فيها اهتمامه بقضية فلسطين سنة 1927م".
كان الإمام الشهيد يتابع كل ما يحدث في فلسطين بدقة؛ فعندما أعلن سماحة السيد أمين الحسيني مفتي فلسطين عن عقد المؤتمر الإسلامي الأول في بيت المقدس في الفترة من 27 رجب إلى 7 شعبان 1350هـ الموافق 8/12 إلى 18/12/1931م أرسل الإمام الشهيد رسالةً إليه تتضمَّن تصور الإخوان المسلمين لحل القضية ليعرضها على المؤتمر:
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب السماحة السيد محمد أمين الحسيني/ مفتي فلسطين الأكبر..
نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، ونصلِّي ونسلِّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا في الله حق جهاده، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين، وبعد..
فإن العالم الإسلامي كله يقدِّر لكم حسن جهادكم، وسديد رأيكم في الدعوة إلى هذا المؤتمر المبارك، وجمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة والمحمودية وشبراخيت وبورسعيد والإسماعيلية بالديار المصرية تقدِّم لسيادتكم جزيل شكرها وجميل تقديرها، ونرجو التكرم بعرض هذا البيان على هيئة المؤتمر الموقَّرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حسن البنا