تطوير أدوات القادة 4-5

تطوير أدوات القادة (4-5)




حسين الجعفري – مدرب إداري


ثانياً: دائرة المعنويات

يأتي الحديث عن المعنويات ويقصد به عالم الشعور أو القيم المعنوية التي يتميز بها القائد عن غيره والتي تمثل الروح الدافعة في التحرك نحو الأهداف بوتيرة متناغمة ، إن آفة الكثير من الخطط ليس عيبها إنها بنيت بطريقة منهجية ، أو قلت المهارات اللازمة لحملها في واقع الحياة الملموس بقدر ما يغيب عنها معنوية القائد الفذة وروحة التواقة إلى المقصد الغائي .... فولادة النجاح يمكن بين قمة المهارات العقلية ومهاد القيم الشعورية ... وبالنظر إلى الوظيفة الثالثة من وظائف الإدارة وهي التوجيه يظهر جلياً أنها موجهة إلى دائرة المعنويات في عالم الأشخاص ....فالنجاح في عالم الشعور مقدمة النجاح في عالم الميادين المختلفة حقيقة تقررها العلوم الإنسانية ( فالعزمات والهمم هي التي تستهين بالأهوال فتذللها ، وإن الانسحابات ورجفات القلق هي التي تستعظم الأمور فتضخمها ) (الراشد 13 الظاهرة القيادية ) والانكسار في عالم المعنويات هو الهزيمة في عوالم الحياة المختلفة ...

وتعتبر صناعة عالم الأفكار وإكساب الصفوة القيادية مصفوفة من المهارات رص للكتل القيادية مع بعضها إلى أن تأتي وسائط التنفيذ العملية والمتمثلة بدوافع الإيمان بالفكرة والاعتزاز بالذات الجماعية والأمل المنشود لتحول الخيال إلى واقع يصنع الحياة الحرة بالمهارة الحيوية ...

والحديث هنا عن دائرة المعنويات بالنسبة للقائد النهضوي ليست كونها خاصة به ، بل كونه شعلة متوقدة لا تعرف الانطفاء أو السكون أو الانكسار ..والقائد المسلم يمتد خط معنويات الإنجاز لديه متجاوزاً المعمار الكوني ومستقراً في سدرة المنتهي (عندها جنة المأوى ) فلا يخبو حماسه ولا يبهت ضوئه وإن لم يلمس نصراً لرؤيته الدنيوية الجماعية فالنجاح الأخروي مرهون بالعمل واستغلال سنوات العمر ، أكان ذلك في التكوين أم التمكين ... وتختلف معنوياته عن غيره كونه مصدر الإشعاع المعنوي للاتباع والتي تدور مشاعرهم في مداراته .فالحياة قسمت على تابع ومتبوع وقائد ومقود ورئيس ومرؤوس ..... حاله كما يقول الشاعر :

يا موقد النار قد أعيت قوادحه اقبس إذا شئت من قلبي بمقباس .

في الحقيقة تتداخل القيم المعنوية مع بعضها ومن الصعوبة بمكان تمييز القيم المعنوية الحيوية والتي يتباين فيها القائد والمقود سوى أننا – بحسب منهجية الكتابة – سوف نسيح في عالم الشعور بأهم القيم على النحو الآتي :ـ

- الأمل والحماسة: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وسيرة النبي عليه الصلاة والسلام ترشد المؤمن إلى مد أبصاره صوب المستقبل القريب والبعيد وفي الزمن المفتوح الذي يجب أن يكون حاضراً في تفاصيل حياته والذي يجب أن يتناغم مع حركات السجود الكونية ، كون أنشطة الحياة مهما ابتعدت عن مراد الخالق وكثرت فيها المخالفات واشتدت فيها الليالي الليلاء فهي نقطة بسيطة في ملكوته جل وعلا وهنا يشمخ برأسه وترتفع هامته على سفاسف الدنيا ... فاليأس والقنوط هو استلام لتجاذبات المنظور من الحياة وهبوط المعنوية عن دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر كما صورها الأسلوب البياني في القرآن الكريم ( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) وحياة النبي عليه الصلاة والسلام في مكة والمدينة ممتلئة أملا وروحا وتفاؤلا ً مما يورث السكينة ويميل بنفوس المحبطين إلى الهدوء ....

إن القائد يرى المنحة من رحم المحنة ويرى إشعاعات النصر من أروقة النفق المظلم – هي حكمة الله عز وجل – فالنبي عليه الصلاة والسلام بشًر أهل الخندق بالمدائن وقصور كسرى وصنعاء وكان المبطئون لا يأمن أحدهم على نفسه ليذهب الخلاء ... فإذا اشتدت الكروب وأحاط اليأس بالقوم نفذت بصيرة القائد لتصنع الأمل للحيارى واليائسين .. إن قيمة الأمل قد يستوي فيها القائد والمقود وقت الرخاء لكنها قيمة قيادية بجدارة أوقات الشدة والكروب...ومهما علا كعب العلم والتفكير وتعددت مهارات القائد إذا أصيب في أمله فقد أصيب بمقتل ..

- السيطرة الانفعالية : عالم الشعور وهو العالم اللامرئي والذي ليس من السهل معه ترتيب حزمة من القوانين على مفارقات الحضارات في المشرق والمغرب و تنوعت معه نظرات علماء علم النفس ويبقى المتفق عليه أن هذا الدائرة غير منضبطة بالجملة إلا بما قررته حقائق القرآن والسنة النبوية ... والانفعالات هي الآثار الناتجة عن مؤثرات الحياة السلبية والإيجابية والتي يردفها السلوك ..، وفقد السيطرة الانفعالية لشخص القائد هي أرخص الأساليب لأن يذهب وصف القيادة عنه ... فاتخاذ القرارات عند الغضب يجنب الصواب ، والصوت المرتفع عند الحديث في الغالب ينبئ عن فقد الحكمة ، والاستسلام للشائعات يفقد القائد الموقف السليم ...... وعليه فتعلم القائد بواعث الانفعالات والتعود على مراقبة المشاعر من لحظة لأخرى يشكل عنصر بالغ الأهمية في التحكم بالذات وإدارة الانفعالات بصورة صحيحة ، وإلا أصبح القائد والأتباع تحت رحمة الانفعالات المتضاربة ( للمزيد انظر الشخصية القيادية ، توفيق 144) .

- الشعور بالاستقلال الذاتي : فتقمص شخصية الآخرين أو اختزال الذات في ذات أخرى أو التفكير بنفس ما يريده القائد أو ما يحب أن يصل إليه النقاش أو الحوار ، أو البحث عن القائلين لا عن الأقوال بصورة مطلقة هي صفة الاتباع ، وليس ثمة رجل نحب أن نتشابه معه بصورة نستشعر معه العبودية غيره عليه الصلاة والسلام ، ففيه اجتمع العلم وجمال التفكير وكمال الحماسة ( فاتبعوني يحببكم الله ) فالاستقلال في التفكير والعقل والنفس والقلب أوسمة يميز بها القادة عند الحاجة إليهم ....

وبكلمة : فنجاح القائد يبدأ بتغيير عالم الأفكار ويمتطي عالم المشاعر ويستقر في عالم السلوك