الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول
الله، أما بعد،
فقدقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن
وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب
وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار
وذلك كل ليلة) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
أخي الحبيب:
هناك وفي مدينة النبي -صلى الله عليه
وسلم- وفي كل عام، كانت تـُزف البشرى لأولئك الأطهار من الصحابة -رضي الله
عنهم- فها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- يزفها إليهم، وهي إليك أنت كذلك
في كل عام! يقول -صلى الله عليه وسلم-: (أتاكم رمضان شهر
مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب
الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها
فقد حرم) رواه النسائي، وصححه الألباني.
ـ قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-:
"هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟!
كيف لا يبشر
المذنب بغلق أبواب النيران؟!
كيف لا يبشر
العاقل بوقت يغل فيه الشيطان"؟!
أخي... تلك هي البشرى التي عمل لها
العاملون... وشمر لها المشمرون... وفرح بقدومها المؤمنون.
أخي.. يا لبشرى
من أدرك شهر رمضان!
يا لبشرى
المدركين لشهر الغفران!
يا لبشرى
المدركين لشهر الرحمات!
يا لبشرى
المدركين لشهر القرآن!
يا لبشرى
المدركين لموسم الطاعات!
يا لبشرى
المدركين لأيام كساها رب العباد مهابة وبهاء وجمالاً!
أخي.. هل علمت أن السلف كانوا يدعون
الله -تعالى- زماناً طويلاً ليبلغهم أيام "شهر رمضان"؟!
قال معلى بن الفضل: "كانوا يدعون
الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان! ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم"!
وقال يحيى بن أبي كثير: "كان من
دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً".
أخي.. وها أنت قد بلغت رمضان، وها
أنت سلمك ربك إلى رمضان فماذا أنت فيه فاعل؟؟
أخي.. ينقسم
الناس في رمضان إلى فريقين في استقباله والعمل فيه:
فالصنف الأول:
هم الذين اقتدوا بالسلف الصالح، فاتخذوا رمضان موسماً لطاعة الله ومضاعفة
الخيرات، صاموا نهاره فأحسنوا الصيام، وقاموا ليله فأحسنوا القيام، أولئك
الذين انتفعوا برمضان حق الانتفاع.
والصنف الآخر:
لم ينتفعوا برمضان ولم يستفيدوا مما فيه من صيام وقيام!
لماذا؟!
لأن الله جعل الصيام للقلب والروح.
فجعلوه للبطن والمعدة.
ولأن الصيام جعله الله للحلم والصبر،
فجعلوه للغضب والبطش.
ولأن الصيام جعله الله للسكينة
والوقار، فجعلوه شهر السِباب والشِجار.
ولأن الصيام جعله الله ليغيروا من
صفات أنفسهم، فما غيروا إلا مواعيد أكلهم وشربهم وشهواتهم.
ولأن الصيام جعله الله تهذيباً للغني
الطاعم ومواساة للبائس المحروم الجائع، فجعلوه معرضاً لفنون الأطعمة
والأشربة، يزداد الغني فيه تخمة والفقير حسرة!!
فقل لي يا أخي
بالله عليك:
أي الفريقين أحق بأن تفتح له أبواب
الجنان، وتسد عنه أبواب النيران؟
أي الفريقين قد صفدت شياطينه؟ ومن
منهم أحق بنفحات الرحمن؟
أي الفريقين يرجى له العتق من النار،
ويدرك رحمة العزيز الغفار؟
أخي الحبيب:
في ختام الحديث أهدي إليك بعض الوسائل لاستغلال شهر الخيرات مجملة نفصلها
معك في المجالس القادمة -إن شاء الله-.
1ـ تأكيد التوبة وتعاهدها طوال شهر
رمضان.
2ـ الحرص على ختم القرآن في رمضان
مرة على الأقل.
3ـ المحافظة على صلاة الجماعة في أول
الوقت في الصلوات الخمس.
4ـ المحافظة على جميع سنن الصلوات،
الراتبة وغير الراتبة.
5ـ صيانة الجوارح، لاسيما اللسان عن
الوقوع فيما يتعارض مع الصيام.
6ـ الاشتغال بذكر الله طوال اليوم،
لتكون من الذاكرين الله كثيراً.
7ـ المكث في المسجد والسعي إليه كلما
استطعت إلى ذلك سبيلاً، لتضمن منزلاً في الجنة.
8ـ الحرص على التصدق كل يوم وأنت
صائم، ولا تحقرن من المعروف شيئاً.
9ـ اجتهد في أن تصوم رمضان مرتين،
بتفطير الصائمين.
10ـ اعتكف العشر الأواخر لتحري ليلة
القدر؛ سنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
11ـ اجتهد في تحصيل أسباب رزقك
وأولادك من أول الشهر، لتتفرغ للعبادة في العشر الأواخر.
12ـ انتهِ من الأمور الدنيوية
المتعلقة بالعيد ونحو ذلك هذه الأيام إن لم تكن قد انتهيت منها.
13ـ مسابقة لأهل بيتك متنوعة، لها
جوائز يوم العيد.
14ـ اعتمر في رمضان إن استطعت فإنها
تعدل حجة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وهناك وسائل غيرها يأتي الحديث عنها
في المجالس القادمة -إن شاء الله-.
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن
عبادتك.