2010-11-07
"وداد" مسنة فلسطينية حرمتها الأسلاك من فرحتها بفرحة أحفادها
بقلم / عادل زعرب
حين نظرتُ في تجاعيد وجهها .. رأيت الحزن في قلبها .. رأيتُ الماضي يتجسد بكل ألوانه وعذاباته في حكايتها ..وعبر نظرات متبادلة .. شعرت أنها تصر على إغلاقِ نوافذِ قلبها .. بنبضات متسارعة .. وخفقات متلاحقة .. وكانت تتأوه وتردد بألمٍ: كلمات غابت ملامحها ..
رمتْ أحزانها في ساحاتها المُتصحرةِ، .. وقالت من تحت ضرسها الموجوع ، ومن انْكسارِ فؤادها .. و ذَرفتْ دموع عيون قلبها .. لقد ترملت وهي في ريعان شبابها .. حيث توفى زوجها اثر مرض عضال .. وترك لها سبعة من الأولاد .. عاشت لتربيتهم .. وأفنت حياتها من اجلهم ..
وجلست " وداد " هائمة على وجهها .. وفي عيونها حزن عميق .. مستذكرة فلذة كبدها الشهيد "سامي" حيث أمست خِزانةً صُورِه لأحزانها .. ودموعها المتساقطة ..المنحدرة .. المتجدرة..
لا يهدأ عذابُ قلبها .. إلا بعذابِ شوقِها وحنينها لابنها .. تناسمُت روحها .. وتعانقُت .. وهربت ابتساماتُها .. حين رأت ابنها الشهيد " سامي" .. وقد سقط مدرجا بدمائه .. اشلاءا في أحضانها .. بعد أن قصفته دبابات الاحتلال بقذيفة صاروخية .. جعلت من جسده الطاهر كومة من لحوم متناثرة هنا وهناك .. وعلمت أنّ روح ابنها أمضت في سويداء قلبها .. ولنْ يهزه أو يحجبه حاجب .. وستبقى روحه مُمتزجةً في إناءِ قلبها حتى آخرِ قطرِه من الحياةِ!
وعادَت " وداد " بقلبها الموجوع .. الذبيح لتستذكر منزلها .. من أنوارِه .. وذكرياته المتوهجة .. وأشعةِ عشقِها له التي لم تنتهي للأبد .. ولا زالت على ذكرياتها الكثيرة .. تذكرت حين قصف الاحتلال بيتها .. وأصيبت وهي عجوز مسنة لا تقدر على الهرب .. وأصيب أولادها وأحفادها .. تتذكر كيف زرع الاحتلال منزلها بالديناميت .. ودمره بشكل كامل .. وهو مكون من ثلاثة طوابق .. تتذكر كيف شردها الاحتلال وأولادها وأحفادها ..
حياتها صارتْ رماديةْ .. بلا رحمة بلا شفقة .. طيورها فارقتْ أعشاشها .. لم تَرتَضى وكراً غير بيتها .. ولكنه أصبح أثرا بعد عين .. وانتظرت طويلا إلى أن بنت بيتا جديدا .. وابتعدت عن خطوط التماس مع الاحتلال .. وغادرت خط النار إلى مكان أمن .. ولكنها تفاجأت أن غربان الظلام والغدر قصفت بيتها الجديد في حرب الفرقان الأخيرة .. لتتشرد من جديد ..
" وداد " أعياها المرض .. وهي لم تر ولدها البكر " بشير " منذ زمن بعيد .. وهو يقطن في العريش .. وما أن سمعت أن هناك عرس حفيدين من أحفادها هما :( ابن بنتها يريد الزواج ببنت ابنتها الأخرى ) وجميعهم في العريش حتى طار عقلها .. وجن وجنونها .. أرادت أن تصل إلى هناك بأي ثمن .. لتعانق روحها أرواح أولادها وبناتها وأحفادها وأحبابها ..
وما أن ركبت السيارة متجهة إلى معبر رفح .. ومن على حمالة سيارة الإسعاف .. وما أن وصلت الجانب المصري .. تكابد العناء .. إلا أنها فوجئت بأنها " مرجعه".. ولن يسمحوا لها بمواصلة مشوارها .. وتحقيق حلمها .. بالرغم من أنها تحمل بطاقة مصرية قديمة متهالكة .. فقد ولدت هذه المرأة في العريش .. وعاشت فيها إلى أن تزوجت في غزة .. ومنذ ذلك الحين .. لم تستخرج بطاقة جديدة مميكنة لها .. ولم تحصل على جواز مصري .. بسبب طول الغياب .. ولم تشفع حالتها الصحية .. وأنها محمولة مرابعة على حمالة في سيارة إسعاف .. وقد تجاوزت الستين .. وقد تلفظ أنفاسها الأخيرة في أي لحظة .. بسبب العديد من الأمراض التي سكنت جسدها ..
وعادت " وداد " أدراجها .. وهمومها في قليها .. وأحزانها تنخز جسدها .. ولا زالت " وداد على حالها .. ماءٌ تُمطرُ منْ مَآقيها .. ولا تدري لمنْ تشكو مآسيها....ولن تشكو مآسيها إلا لرب العباد .. فهل أممدنا يدا؟! ..