السلبيــــــــون
السلبيــــــــون
الكاتب: جمال زواري أحمد ــ الجزائر
يقول الرافعي رحمه الله: (فهم (أي السلبيون) يأخذون السياسة مأخذ من لايشارك فيها ، ويتعاطون الجدّ تعاطي من يلهو به، ويتلقّون الأعمال بروح البطالة ، والعزائم بأسلوب عدم المبالاة، والمباحثة بفكرة الإهمال ، والمعارضة بطبيعة الهزء والتحقير، وهم كالمصلين في المسجد ، فمثّل نفسك نوعا من المصلين إذا إصطفوا وراء الإمام ، تركوه يصلي عن نفسه وعنهم وأنصرفوا)(1).
إن السلبية داء فتّاك ، إذا إنتشر في أمة أو جماعة أو حركة ، زعزع كيانها وفكّك أوصالها وهدّ أركانها ، وجعلها إمعة في فكرها وعملها ومواقفها، وتسبب في تخلفها وإندحارها إلى المراتب الأخيرة في ميادين الصراع والمدافعة والمنافسة . والسلبيون كلما زاد عددهم في الصف كلما ضاقت مساحات الإيجابية ، وإندثرت معالم الجدية ، وغابت مظاهر الفعالية ، وإنحسرت القدرة على الإبداع ، وتوقفت مسيرة التطوير ، وتقلصت معاني التضحية والثبات ، وإنتشرت ظواهر الفتور والكسل والتقاعس واليأس والتساقط والبرودة والفشل .
وقد حدد الرافعي رحمه الله بعض أهم صفاتهم:
1) ـــ يأخذون السياسة مأخذ من لا يشارك فيها: أي لا يتفاعلون مع الأحداث ،ولا يلقون اهتماماً لما يجري من حولهم ، كأن الأمر لا يعنيهم ، ومن ثم يعيشون كمّا مهملا، هامشيوا التأثير ، بل منعدميه، شهود كغياب ، يتعاملون بمنطق جحا لمّا قيل له : إن الحريق قد شب في قريتكم ، قال : المهم أن لايكون في بيتنا ، قيل له : إن الحريق في بيتكم ، قال : المهم أنني لست في البيت .
2) ـــ يتعاطون الجد تعاطي من يلهو به: أي أن الجد لايعرف لساحتهم طريق ، بحيث يتعاطون مع كل القضايا مهما كانت جديتها وأهميتها ، بسطحية مفرطة، ولهو طفولي عابث ،حياتهم هزل في هزل ،فلا أثر لمظاهر الجدية في كل مايقومون به ،، هذا إن كانوا يقومون بشيء أصلا، لذلك تجد أن الأحداث تتجاوزهم دوما ، وتبتلعهم في كثير من الأحيان .
3) ـــ يتلقّون الأعمال بروح البطالة : أي أنهم لايقومون بواجب وإن صغر، ولايقدمون عملا إيجابيا وإن قلّ ، ولايحققون إنجازا وإن كان بسيطا ، يستلذّون البطالة والقعود، يستمرؤون الراحة ، شعارهم ناموا فمافاز إلا النوّم ، ديدنهم فراغ في فراغ في فراغ.
4) ـــ يتلقون العزائم بأسلوب عدم المبالاة: أي لاأثر للعزيمة في قاموسهم، حتى وإن تعرضت لهم العزائم من الأمور قابلوها بعدم الإكتراث واللامبالاة ، وواجهوها بعدم الإستجابة وإنعدام التفاعل، يبحثون عن الرخص والترخص ، ويجفلون من العزيمة وإن كانت قطعية الثبوت قطعية الدلالة.
5) ـــ يتلقون المباحثة بفكرة الإهمال: أي أنهم مهملون غافلون ، لايبحثون في شيء ، ولايتباحثون في أمر أو مع أحد، ولايهمهم مايتباحث حوله الآخرون ، تقليديو النفكير ، إمعيو المواقف، منعدمو الطموح ، سافلو الهمة ، يتهيبون صعود الجبال ، قانعون بالعيش الدائم بين الحفر، يائسون من المعالي ، بعيدون عنها وعن أهلها ، بل عن أبسط أبجديات بلوغها.
6) ـــ يتلقون المعارضة بطبيعة الهزء والتحقير: أي بلغة عصرنا أنهم دائما مع الواقف، إكتسح قلوبهم ظلام اليأس والإحباط، حتى جعلهم يتعاملون مع كل رأي معارض وإن كان إيجابيا مفيدا بروح منهزمة فاشلة ، لاتحسن إلا الهزء والتحقير ،لايؤمنون كثيرا بنظرية العلاقة بين الأحلام والحقائق التي تحدث عنها الإمام البنا رحمه الله، يكبّلون أنفسهم بعدم الوثوق في قدراتهم وإمكانياتهم ، ويوثقونها بضعف شخصيتهم ، ولايتصورون أنهم يملكون شيئا يمكن أن ينفع الناس، لذلك تجدهم لايشاركون برأي ، ولايساهمون بفكرة ، ولا يتقدمون بمقترح ، إتّكاليون في تفكيرهم وفي عملهم وفي نشاطهم وفي مواقفهم .
ثم ذكر لهم ــ أي السلبيون ــ في الأخير صفة جامعة تشمل كل الصفات التي تقدمت ، وهي أنهم ينسحبون من الميدان كلية ،وينصرفون عن الميدان نهائيا ، وينعزلون عن العمل والنشاط بشكل دائم ، ويتركون الفرصة والزمان والمكان للآخرين، يقررون بدلهم ، ويصنعون الأحداث نيابة عنهم ، كالمصلين الذين يغادرون المسجد ويتركون الإمام يصلي عن نفسه وعنهم ، أو بلغة ولسان بني إسرائيل:(فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ )(المائدة24).