لماذا يخون الرجال؟!
نستعيد رأسنا التائه.. عبر عمليات إعادة تعريف المفاهيم الحاكمة لحياتنا، وسأبدأ بمحاولة للتأمل في معنى وتجليات "الخيانة" التي هي في أصلها عكس "الأمانة"، وفي المعجم.. "أن الخيانة تقع إذا تولى أحدنا أمانة فلم ينصح"، هكذا نصا.
وأخرج بهذا عن المعنى الشائع للخيانة الزوجية، وهو "إقامة علاقة خارج إطار الزواج"، فليست الخيانة مشروطة بهذا، بل إن تضييع الأمانة هو حجر الزاوية.
يكفي أن تسيء المرأة في تبعلها لزوجها لتكون خائنة، ويكفي ألا يقوم الرجل بمسئوليات القوامة فيكون خائنا. ولا أدري هل سيسعد هذا الرجال والنساء أم لا؟!
الكل في واحد
ملايين الرجال يفهمون أن تعدد الزوجات يعني مبدئيا "إقامة علاقة ما بغرض زواج ثان أو ثالث أو رابع.. وهو أمر ليس حراما ولا خيانة"، وأنا أقول: إن "الخيانة" ليست في محض العلاقة -مع أهمية النظر إلى بقية الضوابط- ولكن الخيانة هي في شيء أوسع وأعمق وأسبق وأهم، وهو قيام الرجل بمسئولياته العاطفية والمالية، الجنسية والمعنوية، بأن يكون "كل الرجال في رجل" بالنسبة لزوجته، والإساءة إلى هذه المعاني، والتخلف عن القيام بهذه المسئوليات هو الخيانة بعينها، حتى لو خلت حياة الرجل من أخريات.
وحديثنا اليوم عن الرجل، وسؤالنا: لماذا يخون الرجال؟! لماذا يقررون بوعي أو يتورطون بغير وعي في الإخلال بدورهم ومكانهم ومكانتهم فيغيبون عن المشهد حيثما يرجى حضورهم، ويتركون المرأة/ الزوجة تشكو البرد، ولو في أغسطس، وتعاني الوحدة، ولو وسط الجموع، ويقتلها الظمأ إلى كلمة تقدير لجهودها أو أنوثتها تنتظرها من الشريك، ولكن لا حياة لمن تنادي؟!
أنماط الرجال
"الخونة" لديهم أسبابهم طبعا، فهم منسحبون أحيانا في مواجهة زوجة مسترجلة لا تترك لزوجها مساحة إلا واقتحمتها بالضجيج أو بالتدخل، وقد تكون نواياها حسنة، وتحاول مساعدته وتخفيف العبء عنه، ولكن بطريقتها وليس بما يناسبه أو يناسب العلاقة بينهما.
وأحيانا نجد الرجال من نوع العاجز عاطفيا أو الفاشل اجتماعيا أو المفلس ماديا، والنتيجة هي القصور في التواصل وأداء الأدوار التي تحتاجها الزوجة مثل الماء والهواء، ولا تستغربوا إذا علمتم أن البخيل في المال قد يكون غالبا من النوع البخيل في الفراش أيضا، وقد رأيت من الحالات الحقيقية من يمتنع عن معاشرة زوجته لزهد فيها، أو حرصا على صحته!!
ومن "الخونة" نوع تكون خيانته بتقصيره.. مجرد رد فعل مباشر على تقصير الزوجة، أو سوء أخلاقها أو إهمالها في نفسها أو بيتها أو أولادها، ولا يخلوا بشر من عيوب، فإذا به يرد على عيوبها بالهجر والتقصير، وينسى أن أساس درجة القوامة أنه مكلف شرعا بأن ينفق عليها ويتسع لها، ويحتوي مطالبها ويقوم بحاجاتها، ولو لم تنهض هي بما عليها أو ما هو منتظر منها.
أليست هذه هي الدرجة التي للرجال على النساء، درجة تعلو فوق "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"، فإذا أدت المرأة ما عليها، فبها ونعمت، ولو لم تؤد فإن الرجل يؤدي أو ينبغي أن يؤدي بالدرجة التي له عليها، ولا يعاملها معاملة الند: إن أحسنت أحسن، وإن أساءت يسيء!
ومن "الخونة" صنف يكره الاعتياد، ويمل سريعا من التكرار، ويسعى للتغيير والتبديل، ولا بأس بأن يكون هذا عيبه.. شريطة ألا يترافق معه هجر وإهمال في حق زوجته؛ لأنه مشغول بقصة حب جديدة، أو مغامرة غزو عاطفي ملتهبة.
وقلنا من قبل: إن العدل يكون في كل حال، والعدل مع الزوجة يكون أساسا، ولو من غير تعدد، والعدل مع أم الأولاد إنما تحتاجه هي وفاء بحقها، وتكريما لدورها ومكانتها، ولمن يعجز عن حب امرأتين ألا يتورط في هذا من البداية، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه!
ومن "الخونة" أشباه رجال يرون المرأة مخلوقا أدنى من البشر، فهي عنده أقرب للبهائم لا حق لها سوى العلف والمعاشرة، وقد يرون أن المعاملة الحسنة تفسد النساء كما يفسد الخل العسل، وأن السوط هو اللسان الوحيد الذي تفهم كل أنثى لغته، وأن الإهانة والضرب -والتعذيب أحيانا- هي الطريقة المثلى للتواصل مع كائن اسمه "حواء"، ولا فارق بين من ينسب هذه الأفكار والقناعات لمنطلقات تتمسح بالدين أو تتجذر في تربة التقاليد والعادات الجاهلية السائدة في أوطاننا للأسف الشديد.
وفي أوطاننا "خونة" مطلقو السراح ليس لهم من علاج سوى درة "عمر بن الخطاب" يؤدبهم بها. في أمتنا "فحول" يتركون فراش زوجاتهم ليضاجعوا غيرهن نساء أو رجالا!!
وفي أمتنا مسافرون يهجرون نساءهم وحيدات في الأوطان، ويغادرون هم إلى بلاد الوفرة المادية، فكأنه عبد، وزوجته جارية، وكأننا في حركة سبي كبير أوسع مما عرفته العبودية، أو الرق في تاريخ العالمين!
وفي أمتنا أشباه رجال جهلة بالدنيا والدين لا يعرفون الحب ولا يعرفون الجنس ولا يعرفون شيئا يذكر عن علم ينفع أو هدي يصلح شأن بيت، أو رعاية زوجة وأولاد، وهم يسيرون يصعرون خدودهم للناس، ويمشون في الأرض مرحا، خسروا أنفسهم وأهليهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!
وقفة مع الصديق
إذا خانت المرأة فلا أحد يرحمها، فمن للرجل إذا خان؟! من يقف في وجه "الخائن" ليقول له: اتق الله، أو يأخذ على يديه فينصره ظالما أو مظلوما كما هو حق المسلم؟!
من ينصح المحتاج إلى النصيحة؟! ومن يدعم المفتقد للعون؟! ومن يرشد المفتقر للمعرفة السليمة؟! من يدرس للناس فقه القوامة؟! ومن يردع المخطئ أو يشيد بالمحسن؟!
إذا كانت المجتمعات العربية خالية من الأدوار الاجتماعية الضابطة أو الكابحة للظلم فلا عجب أنه خبزنا اليومي في البيت كما في قصر الحكم، وفي المسجد كما على قارعة الطريق!!
من يواجه حركة بالملايين هجر فيها الأزواج بيوتهم بل أعمالهم ليتفرغوا لعالم الإنترنت والفضائيات، ويقضوا وقتهم مع صبايا الجوال والأسواق الضخمة مكيفة الهواء "المولات"؟!!
من يقول لأمتي: إن الدين الذي لا يصلح دنيا أصحابه، وينفعهم في معاشهم وأخلاقهم وتنظيم مسلكهم وعلاقاتهم هو دين مغشوش، ولو كان لامعا براقا، وأن القلب الذي تنزع منه الرحمة هو مثل القلب الذي فيه ذرة من كبر كلاهما يُرفض، ويكاد يلفظ معاني الإيمان الحقيقي.
من يعيدنا لرحاب الله العظيم، الرحمن الرحيم، المنتقم السميع، المعز المذل، فنراه رأي العين في ضمائرنا كما سنراه في آخرتنا، ليس بيننا وبينه حجاب؟!
لا عصا القانون ستكفي، ولا مواعظ الليل والنهار ستسد خروق التقوى أو ترحم ما تصدع من بنيان المجتمعات تحت ضربات إعلام فاسد مفسد -إلا ما رحم ربك- وتعليم متخلف، وتدين بينه وبين حقيقة الدين مسيرة ألف عام راكبا ليل نهار!!
ليس هذا يأسا، ولكنه تأمل بدأ بالنظر في معنى الخيانة بين رجل وامرأة، فإذا به حين يتتبعها يجدها مرتبطة بخيانة الله والرسول.
"يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون".
منقول