كيف يعبد العبد ربّه وهو محجوب عنه؟
من أعظم المآسي، وأشد البلايا على المسلم أن يظنّ أنه يتعبّد الله سبحانه وهو محجوب عن الله !
فكيف يعبد العبد ربّه وهو محجوب عنه؟
إن الله
تبارك وتعالى حين طلب من العباد عبادته، والتقرب إليه، وطلب رضوانه
ورحمته، تغافل من تغافل من الناس عن هذه المعاني التي طلبها الله تعالى
منهم.
فمن أهم معاني طلب الله عبادته أن تُترك عبادةُ غيره
وعبادة غير الله لا تكون بصفات أفعال العبودية الشاخصة المُشاهدة والمباشرة،فهي ليس بالضرورة أن تقوم لعبادة غير الله فتقف وقفة الصلاة له، وليس بالضرورة أن ترفع يديك عاليا متوجها نحو من تعبده من دون الله طالبا منه طلبا.
فيكفي لعبادة
غير الله تعالى أن يقع في قلبك أنّ ( فلانا) بيده رزقك، أو أنه هو من بيده
دفعُ البلاء عنك... أو ما شاكل ذلك مما قد يقع في قلبك من أمور يختص بها
ربّ العباد عن العباد.
والله حين يطلب من العباد التقرب إليه،فإن من متطلبات أفعال التقرب من العبد لخالقه أن يتذلل لله وفي هذه، لا يستقيم أن يتذلل عبد لله المعبود وهو في ذات الوقت يتعالى أمام عبد الله ويتكبر وبنفسه يُعجب !
فإنه إن فعل
ذلك، فهو لا يعلم معنى العبودية ولا معنى التذلل لله، ويخلط بين تذلل
ظاهري وبين عُجب وكبر كامن في قلبه، وهذه هي الكارثة الساحقة الماحقة
للعبد وما يظن أنه عبادة لله.
ومثل تلك الحالات التي قد تسيطر على قلب العبد، وتتمكن منه، مهلكة له، مضيعة لعبادته وكأنها لم تكنبل وأكثر من ذلك تورثه ذنوباً تمنعه عن الله عزّ وجلّ، وتحجبه عن الخالق تبارك في علاه، وبالتالي تنقطع صلة العبد بالمعبود التي هي الصلات بينهما، بل هي الصلة التي إن لم تكن موجودة يخسر العبد دينه ودنياه.
فما العبادة يا عباد الله إن لم تكن لتحقيق تلك الصلة والمحافظة عليه سليمة قوية لا تنفك ولا تهتز؟؟
إن المسلم حين يصلي لله تبارك وتعالى، فهو يقوم بأفعال وحركات ظاهرها أنها صلاة لكن المهم هو الإجابة عن السؤال التالي:
هل أوجدت يا عبد الله الصلة بينك وبين الله في صلاتك؟
أم انك تُكبّر، وتقف كالطود العظيم مستقيماً ثابتاً بين يدي الله، وتقوم بحركات الصلاة دون أن تصلّي؟
يقول الحسن البصري : (من صلى فلم يشعر بشيء، من قرأ القرآن فلم يشعر بشيء، من ذكر الله فلم يشعر بشيء،فليعلم أنه لا قلب له)
ومن لا قلب
له لا صلة بينه وبين الله، انقطعت خاصية الاتصال بينهما، بمعنى آخر : حُجب
عن الله... وهذه من أعظم المآسي والبلايا التي قد تقع للمسلم : أن يظن أنه
يعبد الله، لكن لذنب من ذنوبه تنقطع الصلة بينه وبين ربّه فلا يقبل منه
عملاً ولا عبادة !!
وكيف يُحجب العبد عن ربّه؟
للتوضيح أعطي صورة تقريبية :
في أيّ منتدى من المنتديات توجد خاصة الرسائلبين الأعضاء ومن بين الخيارات فتح خاصية الاستقبال أوحجبها فإن كانت هذه الخاصة مفعّلة، يكون التواصل بين الأعضاء حاصلا
أما إن قمت أنا بإغلاق خاصة الرسائل بيني وبينك، فإنك مهما رفعت صوتك، وصرخت، وطرقت الباب كي أسمعك أو أشاهد شيئاً منك ترسله لي فلن تُفلح ذلك أني أغلقت الباب بيني وبينك بسبب أمر أحدثته أنت معي فلم أعد أريد التواصل معك
وهذا الذي أحدثه العبد مع ربه والذي أدى إلى أن ينقطع التواصل بينهما، هو الذنب أوالذنوب التي اقترفها العبد مع الله تبارك وتعالى، كأن خالف أمراً أمره به، أو أتى فعلاً أو قولاً مع عباد الله أغضب الله، أو أن يعجب بنفسه ويغتر بها وأن يتعالى على عباد الله ويتكبر عليهم !!
فهي كلها من
الذنوب التي تؤثر بطبيعة علاقتك مع ربك فالله حين يريد ( استقبال ) عبد
يعبده، ينظر إلى حاله، وإلى قلبه ينظر منه إلى ما لا نستطيع نحن البشر أن
ننظره فيه
فكم من عبد يقف أمام الله ليصلّي صلاته وهو ظالم لغيره !
وكم من عبد يقبل على الله ليعبده وقلبه فيه الحقد على إخوانه المسلمين !
فليس كل من قام للصلاة صلّى.
ولا كلّ من لبس لباس الاحرام ولبى قد حجّ.
وليس كل من امتنع عن طعامه وشرابه صام.
لأنه حتى
يصلي، ويحج، ويصوم هناك شرط مشروط، وسبب لازم أن يكون موصولا، وهو أن لا
تحجبه عن الله ذنوب ولا آثام ولا معاصي فالعبادة نقوم بها راجين آملين
طامعين أن يقبلها الله تبارك في علاه
لا أن يشاهدنانفعلها
ولا أن يسمعنا نتلفظ بها
والقلوب من طاعته خواء !!
ترى من ترى من العباد لا تورثه عبادته لله إلا عزاً وتكبراً واستكبارا
فهذا لا خير فيه ولا في عبادته ولا حاجة لله به ولا بعبادته.
قال ابن عطاء الله السكندري : (ربّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاًواستكباراً).
ربنا اجعل كلّ أعمالنا وأقوالنا لوجهك الكريم خالصة لا نفاق ولا رياء فيها واعصم قلوبنا من الشرك ما عُلم منه وماخفي وتقبلنا عندك في الصالحين